استخدام النساء ضد النساء: هذا ما تدور حوله مقارنة النساء
هل فهم وإدراك استخدام النساء ضدّ النساء الذي يحدث من خلال مقارنة صور حديثة لنساء محجبات مع بعض الصّور لنساء يرتدين البدلات الكلاسيكية (الرسمية) مباشرة بعد استقلال البلاد أمر صعب؟ وما الهدف وراء مقارنة هذه الصور التي التقطها مصورون لم يكن لديهم أدنى اهتمام بالجدل المستمر بهذا الشأن؟
ينبغي علينا أن نثير الاستفسارات حول المغزى الذي يكمن وراء هذا النوع من التركيب (المونتاج) والصور التوضيحية للنساء. إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الاستنتاجات السطحية مُؤكَّدة دون وجود أدنى أدلة ومعطيات تدل على وجود تراجع مفترض ومزعوم؟
يتعين علينا أن ندرك أن هذه الصّور لا تكشف أي معلومات حول تطور ظروف العمل، أو نسبة الفتيات المتمدرسات، أو نسبة النساء المتعلمات، أو العاملات. إنها لا توفّر أية نظرة حقيقية على التغيرات الرئيسية التي شهدها المجتمع، ولا تشير أيضًا إلى التطورات التي حدثت في سياق القيود الاجتماعية (الطابوهات) وحقوق النساء وما إلى ذلك.
لاستشراف مدى تبسيط وعدم صحة الاستنتاجات التي يطرحها المبلّغون عن افتراضية التراجع، يكفي البحث عن عدد المناطق الجزائرية التي لم تكن بها مدارس مباشرة بعد الاستقلال. وعلى الرغم من وجود بعض النساء القليلات اللواتي ترتدين الحجاب والقادرات على الوصول إلى الفضاء العام، إلا أن الحقيقة المعاكسة تكمن في وجود العديد من القرى والمناطق التي لا يمكن لأي امرأة الخروج فيها بمفردها.
أشعر بالاستياء عندما يُقال لي إنّ “التراجع مستمرّ منذ استقلالنا”، بصراحة أجد صعوبة في فهمها. أشعر أيضًا بالغضب عندما يتم تناول هذا الموضوع من خلال مقارنة بين صورتين، لم يتم التقاطهما أصلاً بهدف توضيح التقدم أو التراجع. إن تسريب الصور ونشرها لمقارنة النساء، كما يحدث في كل مرة، يهدف إلى تجنب الخوض في المشكلة الجوهرية.
يسعون إلى دفعنا، كما هو الحال في كثير من الأحيان، للمقارنة بين النساء أنفسهن، بدلاً من المقارنة بين تفاوتات النظام الأبوي. حيث يدفعوننا غالبًا على مقارنة النساء ببعضهن البعض، في حين نادرًا ما نقوم بمقارنة الرجال بالنساء أو حتى ببعضهم أي الرجال بالرجال.
لماذا نولي اهتمامًا أقلّ لمقارنة الامتيازات التي يتمتع بها الرجال لتحليل واقع النساء؟ إن هذه الامتيازات واضحة ويمكن قياسها بسهولة، لاحظوا : كان من الممكن أن تظهر مقارنة من خلال صور الاجتماعات الوزارية أين النساء لازلن مُغيّبات، أو في اجتماعات الوفود ولجان صناع القرار، للتأكّد بأنّنا لا نتراجع ولكنّنا متمسّكون بالتمييز.
نستمرّ في مقارنة النساء ببعضهن البعض، بينما تظل هناك العديد من الأمور الصادمة التي نواجهها، أمور وحقائق تذكّرنا بالحقيقة الواضحة الوحيدة: الأبوية كانت موجودة وستستمر لفترة طويلة جدًا.
عند إعادة النظر في هذه المقارنات بين الصور والنساء، أتساءل والغضب ينتابني عن سبب عدم اختيار صور خاصة بالأعمال المنزلية أو أنّه لم تحدث أي تطورات تذكر؟ لماذا لا نقارن صور النساء في مجال الرياضة أم أنها تطورت تطوراً كبيرًا رغم استمرار التمييز ؟ لماذا لا تكون هناك صور للمدارس والجامعات حيث أصبحت النساء الآن الغالبية الساحقة؟ ولماذا لا تكون هناك صور للقطاعات التي كانت النساء غائبة تمامًا عنها في الماضي مقارنة باليوم؟
من السهل جدًا قياس التراجع المزعوم من خلال صور نادرة ومضللة أين المؤشرات هم: الحجاب والملابس ومعايير الجمال. صور تتحدث عن سياقين مختلفين تمامًا، وحقبتين زمنيتين مختلفتين تمامًا، وطريقتين مختلفتين تمامًا لالتقاط الصور. صور بعد 130 سنة من الاستعمار مقابل صور 60 عامًا بعد الاستقلال، في عالم تهيمن عليه النيوليبرالية الاستعمارية العنصرية تجاه شعوبنا وتجاه التنوع..
لنفترض أنّ التراجع حقيقة: تصيبني رجفة غير مسبوقة في رأسي الصغير وجسدي، تنطلق من داخلي وتستنزف للأسف طاقتي المغذية لالتزاماتي. أشعر وكأنني قد فقدت كل حيويتي، وأغرق في تلك القدرة المهلهلة على الاستسلام ودون تفاؤل، تفاؤل يدفعني للاستمرار في الإدانة، ويدفعني للسعي وراء سبل المساهمة في تغيير الأمور وأن أكون جزءًا فعّالًا في هذا التغيير، تغيير يتعين علي من خلاله أن أسعى للبحث عن مشاكل للحلول. الإيمان بهذا النوع من الاستنتاجات يجعلني أخسر براعتي النسوية: القدرة على ابتكار الحلول للمشكلات.
هذه الإستنتاجات التي تودّ أن تدفعنا إليها هذه المقارنات، تضع حاجزًا كبيرًا بيني وبين النظريات الثورية. أنسى فجأة أن التغيير مسيرة طويلة، وأتوقف عند النقطة التي نعتقد فيها أن العالم تغيّر بسرعة مثل مدة حلقات المسلسلات الهوليوودية.
الأمور تتراجع حسب هاته المواصفات..، وإذا كانت مخيلتي ترغب في تصوّر هذا التراجع، فماذا ستكون النتيجة؟ حسنًا، يمكن أن أتخيل والدتي وهي في نفس الحالة التي كانت عليها قبل 30 عامًا، حيث تمثل جيلًا وسيطًا بيني وبين جدتي. أما جدتي، فأراها حاصلة على شهادة، تعيش بمفردها، تسافر بمفردها، تتعامل مع هاتفها الذكي وتناقش مواضيع متنوعة التي أصبحت صعبة عليّ الحديث عنها اليوم، مثل الرياضة، السياسة، البحث العلمي، المناصرة، والنسوية… لديها غسالة، حفاضات الأطفال، مأكولات معلبة، تتناول وجبات في المطاعم والتيراسات إذا كانت تملك الموارد المالية اللازمة وهوائيات.. على العموم، سيكون النظام الأبوي كذلك، لهذا أذكر أيضًا هذه الأشياء.
في المقابل سأكون أنا محبطة، وسأبحث عن شخص يستطيع قراءة الوصفة الطبية المتعلقة بالأمراض التي أصبت بها نتيجة للزواج المبكر أو زواجي التقليدي مع شخص لا أعرفه… أتخيل نفسي أعيش إعاقتي بشكل مختلف، حيث يتعين علي تنظيف ملابس العائلة وعائلة الزوج باليد باستخدام صابون حلب. أتخيل المعكرونة التقليدية المنزلية الصنع. لن أكون أبدًا وحيدة خارج المنزل، وستكون أكبر مكافآتي الذهب والحمام التقليدي عند الولادة.
بالنسبة لابنتي، نظرًا للتراجع، فمن المحتمل أنها ستموت أثناء الولادة في المنزل بعد ولادة تقليدية، وربما يتم أكل حفيدتي في كهف من قبل والدها لأنها ستكون قد بكت كثيرًا.
بشكل عام، هذا هو المعنى أيضًا لـ “التراجع مستمرّ”… ثمّ هل يمكننا وصف المواقف والتفكير فيها بدون ابتكار مقاييس للتقدم والتراجع؟ لأن ذلك ببساطة لن يفيدنا على الإطلاق.
بالطبع، هناك أشخاص لا يزالون يعانون بعض الأمور حتى عندما تكون غير قانونية: الزواج المبكر، التخلي عن التعليم قبل سن السادسة عشرة… ولكنّ الادّعاء بأنه لا يوجد أي تغيير هو كذبة كبيرة تدفعنا لعدم المضي قدمًا، وتجعل الضحايا الصامتات لما هو غير قانوني يعيشن الإهمال، التخلّي والصمت المتواطئ.
باختصار: رانا هنا ، رانا هنا ، رانا هنا والثورة مازالها طويلة.
أمال حجاج